سوريا 360 – متابعات
كشف تحقيق استقصائي أجرته وكالة “رويترز” عن تفاصيل مروعة لعملية سرية نفذها النظام المخلوع بين عامي 2019 و2021، نقلت خلالها آلاف الجثث من مقبرة جماعية في “القطيفة” إلى موقع سري في صحراء “الضمير” شرقي البلاد، في محاولة للتستر على جرائم قتل جماعي ارتُكبت خلال سنوات الحرب.
“عملية نقل الأتربة”
بحسب التحقيق، الذي استند إلى شهادات 13 شخصاً على صلة مباشرة بالعملية، إضافة إلى وثائق رسمية وصور ملتقطة بالأقمار الاصطناعية، أُطلق على المشروع اسم “عملية نقل الأتربة”، واستمرت لعامين كاملين.
وخلال تلك الفترة، كانت شاحنات محملة بالتراب والرفات البشري تغادر موقع “القطيفة” ليلاً نحو الصحراء، بمعدل 6 إلى 8 شاحنات أسبوعياً، بإشراف ضباط من الحرس الجمهوري ومهندسين عسكريين.
شهود عيان من سائقين وضباط سابقين أكدوا لـ”رويترز” أن الهدف من العملية كان طمس الأدلة وإزالة آثار المقابر التي تضم جثثاً لمعتقلين قضوا في السجون والمستشفيات العسكرية، إضافة إلى جنود سوريين سقطوا خلال المعارك.
مقبرة تمتد 2كم
التحقيق أظهر أن المقبرة الجديدة في صحراء “الضمير” تضم 34 خندقاً بطول 2كم، ما يجعلها واحدة من أضخم المقابر التي شُيّدت خلال الحرب السورية. وتشير تقديرات الشهود إلى احتمال دفن عشرات الآلاف من الضحايا فيها

اقرأ أيضا: “درعا تحت التراب”.. 9 مقابر جماعية في 6 أشهر
ورغم أن موقع المقبرة الدقيق لم يُكشف حفاظاً على سلامتها من العبث، إلا أن الصور الجوية أظهرت آثار جرافات حديثة وخنادق لم تكمل حفرها في أواخر عام 2024، حين فرّ رأس النظام المخلوع وعدد من كبار مساعديه إلى روسيا.
تحسين صورة المخلوع
وبحسب شهادات جمعتها “رويترز”، جاءت فكرة نقل الجثث أواخر العام 2018، حين شعر النظام المخلوع بأنه استعاد السيطرة الميدانية وكان يسعى لتحسين صورته أمام المجتمع الدولي. إلا أن العملية تحولت إلى وسيلة لإخفاء أحد أكثر ملفات الانتهاكات حساسية في تاريخ سوريا الحديث.
وقال ضابط سابق في الحرس الجمهوري شارك في العملية إن الأوامر كانت واضحة: “إزالة كل أثر لما جرى في القطيفة… حتى لا يترك أي دليل ضد القيادة”.
160 ألف مفقود
تُقدّر منظمات حقوقية سورية أن أكثر من 160 ألف شخص اختفوا قسراً خلال سنوات الحرب، ويُعتقد أن غالبيتهم دُفنوا في عشرات المقابر الجماعية المنتشرة في أنحاء البلاد.
ورغم خلع النظام أواخر العام 2024، لم تصدر الحكومة الجديدة أي وثائق تتعلق بالمفقودين، في ظل عجز مادي وتقني عن بدء عمليات التنقيب أو إجراء تحاليل الحمض النووي للتعرف إلى الرفات.
وقال “محمد رضا جلخي“، رئيس الهيئة الوطنية للمفقودين، إن التحدي الأكبر يكمن في “الحاجة إلى بناء كوادر متخصصة في الطب الشرعي والبصمة الوراثية، فعدد المفقودين قد يتجاوز عشرات الآلاف.”
يأتي هذا التحقيق ليعيد فتح ملف المقابر الجماعية في سوريا، أحد أكثر الملفات إيلاماً في تاريخ البلاد الحديث.
وبينما ينتظر الأهالي المكلومون خبراً عن أحبّتهم المفقودين، تبقى “مقابر الصحراء” شاهداً صامتاً على مآسي حرب لم تُكتب فصولها الأخيرة بعد.
