بقلم: الدكتور نزار محمود
لقد قام الاتحاد الأوروبي وفي شكله البدائي بُعيد الحرب العالمية الثانية بوصفه سوقاً أوروبية مشتركة، لتحقيق مكاسب تجارية واقتصادية لأعضائه تصرفهم عن التفكير في صراعات وتربطهم بمصالح حيوية ترتقي في بعض جوانبها إلى مصيرية، بعد أن عزز حلف الناتو العسكري والمواقف مع الولايات المتحدة الأمريكية في حربها الباردة ضد المعسكر الشيوعي آنذاك.

ومع مرور السنين والأعوام، ومع ما حصل من أمر انهيار المعسكر الاوروبي الشرقي وتسارع انضمام دوله إلى الاتحاد الأوروبي حصل أن هذا الاتحاد بدأ يضم دولاً، والاعتبارات سياسية وعسكرية بالدرجة الاساس، لا تحمل ذات الخصائص والمواقف كمثيلاتها الغربية، ولا تتماشى معها في مستويات تطورها، الأمر الذي حتم قيام تصدعات تعمل ادارة الاتحاد على
معالجتها والتوفيق بين أطرافها من سياسية وقانونية واقتصادية وثقافية. إن ما يعيشه الاتحاد اليوم من خلافات مع بولونيا وهنغاريا امثلة صارخة على تلك الخلافات، ويهدد بانقسام الاتحاد الى شرقي وغربي.
بيد أن ظروف التوتر الروسي الامريكي الذي يدعمه موقف الاتحاد الأوروبي عموماً يدفع بادارة الاتحاد إلى بذل اقصى الجهود من أجل عدم التفريط بدول الشرق الاوروبي للاتحاد، سواء على مستوى المساعدات المالية والاقتصادية أو على مستوى الصبر على الشطحات والتصرفات السياسية والقانونية.
إن ما يطفو من خلافات وصراعات داخل منظومة الاتحاد الاوروبي يمكن ان نعزيه الى:
⁃ عوامل موضوعية تتعلق بالاقتصاد والثقافة وعامل التاريخ.
⁃ عوامل شخصية تتعلق بخصوصيات الساسة في قناعاتهم وثقافاتهم.
⁃ الموقع الجغرافي ودلالاته الجيوسياسية لأهداف الاتحاد الأوروبي وحليفه الامريكي.
ورغم ذلك تحرص دول مثل ألمانيا وفرنسا بالدرجة الاساسية على بقاء منظومة الاتحاد الأوروبي لاعتبارات اقتصادية وجيوسياسية وأمنية في عالم اليوم الامريكي الروسي الصيني، من ناحية، ومما تشكله المساحة الجغرافية الواسعة وسكانها من عمق اقتصادي لها، من ناحية اخرى.
بقى أن نقول إن لأعضاء الاتحاد الأوروبي، رغم المشتركات، أهداف خاصة تسعى إدارة الاتحاد على الحد من تقاطعاتها وتصادماتها، رغم صعوبات ذلك في إطار ميكانيكيات إصدار القرارات التي تتطلب الموافقة الجماعية للأعضاء، والتي قد تترك المجال للقوى الخارجية في التأثير على بعض أعضاء الاتحاد في تحديد مواقفها أزاء قضايا معينة.