اخبار القارة الأوروبية -متابعات
مع قرب أعياد عيد الميلاد يواجه المئات من المهاجرين أوضاعا صعبة بعد أن باتوا في عرض البحر على متن سفن إنسانية لا تجد مأوى لهم ولا ميناءً آمنا لإنزالهم، في وقت يحتدم النقاش بين الدول الأوروبية لضرورة تعديل اتفاقية”دبلن” بهدف تخفيف العبء عن الدول البوابات للمهاجرين لاسيما إيطاليا واليونان.
”أوشن فايكينغ“ و“جيو بارنتس“ و ”سي آي 4“ ثلاث سفن إنقاذ تابعة لمنظمات غير حكومية، عالقة في البحر المتوسط وعلى متنها 687 مهاجرا أنقذتهم من الغرق قبالة ليبيا، حيث ينتظر المهاجرون نهاية آمنة لحكايتهم مع اقتراب نهاية عام 2021، والسفن تنتظر استجابة للرسو وإنزال المهاجرين المنهكين، وحتى الآن لم تتحقق الآمال.
سفينة “أوشن فايكينغ” التابعة لمنظمة “إس أو إس ميديتيرانيه” غير الحكومية والتي تنتظر قبالة سواحل صقلية الإيطالية، غردت على تويتر بالقول: ”بعد العنف الذي عانوه في ليبيا، والرحلة الرهيبة في البحر، هم يحتاجون إلى النزول في ميناء آمن على الفور“ في إشارة إلى المهاجرين الـ114 الذين أنقذتهم يوم الخميس 16 كانون الأول/ديسمبر، في منطقة البحث والإنقاذ قبالة ليبيا.
أما سفينة ”سي آي 4“ التابعة لمنظمة ألمانية غير حكومية تحمل الاسم نفسه، تنتظر أيضا قبالة صقلية، وعلى متنها 223 مهاجرا أنقذتهم في أربع مهمات مختلفة يومي الخميس والجمعة 16 و17 كانون الأول/ديسمبر.
المنظمة قالت إن السلطات الإيطالية تولت رعاية بعض المهاجرين بسبب سوء وضعهم الصحي، بينما لا يزال 219 مهاجرا على متن السفينة ينتظرون.
وأضافت أنه : ”أمضى بعضهم أسبوعا في البحر، الاتحاد الأوروبي لا يتذكر قيمه حتى في فترة عيد الميلاد“. وسألت المنظمة ”عدد كبير من البالغين والأطفال مرضى وجرحى ويعانون، لماذا تجعلونهم ينتظرون؟“.
أما سفينة “جيو بارنتس” التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود، فتنتظر وسط البحر المتوسط بعد أن أنقذت 118 مهاجرا قبالة ليبيا يومي الخميس 16 كانون الأول/ديسمبر والثلاثاء 21 كانون الأول/ديسمبر و237 مهاجرا اليوم 22 كانون الأول/ديسمبر. وقالت المنظمة ”إن المهاجرين على متن السفينة منهكون ومنهم من يعاني إصابات في الساق“، في حين أشارت إلى أن من أنقذتهم اليوم يتلقون الرعاية الطبية اللازمة على متن السفينة.
ومع حالة الطقس المتقلبة وحلول فصل الشتاء وانخفاض الحرارة لا يزال المهجرون يتحركون انطلاقا من ليبيا بهدف الوصول لدول أوروبا.
الهجرة الدولية تؤكد ارتفاع اعدد قتلى المهاجرين بالمتوسط
منظمة الهجرة الدولية (OIM) كشفت عن أن خفر السواحل الليبي اعترض وأعاد 466 مهاجرا بين 12 إلى 18 كانون الأول/ديسمبر، مضيفة، قضاء 163 مهاجرا في البحر يومي الجمعة والسبت 17 و18 كانون الأول/ديسمبر. (كانوا على متن قارب قبالة ليبيا وعثر على كثير من جثثهم راقدة على الشواطئ).
رفعت هذه المأساة أعداد المهاجرين القتلى في وسط البحر الأبيض المتوسط إلى 1,508 مهاجرا هذا العام. وفي العام الماضي لقي 999 شخصا حتفهم في المنطقة نفسها، التي تعرف بأنها أكثر طرق الهجرة دموية في العالم.
ومنذ يناير/ كانون الأول 2021 حتى أغسطس/آب الماضي زادت أعداد المهاجرين إلى 64%، وبداية من 31 أغسطس/ آب الماضي، موعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، بدأت موجات المهاجرين الأفغان تزيد بشكل أثار قلق الأوروبيين.
أوروبا هدف المهاجرين الرئيس تسعى للحد من ظاهرة الهجرة عبر إعاقة عملية تنقل المهاجرين إليها والذين يصلون إلى تخوم الاتحاد الأوروبي ثم يتنقلون مستغلين اتفاقية «شنغن» التي تسمح بحرية التنقل بين 26 دولة، بينها 22 من الاتحاد الأوروبي.
المفوضية اقترحت إدخال تعديلات على قواعد «منطقة شنغن»، منها فرض قيود مؤقتة على الحركة عند الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي.
خلافات أوروبية حول أزمة الهجرة
منذ وصول أكثر من مليون لاجئ سوري عام 2015 إلى ألمانيا، ودخول «حزب البديل من أجل ألمانيا» لأول مرة إلى البرلمان في انتخابات سبتمبر/ أيلول 2019، بدأ نقاش أوروبي لم ينته حتى اليوم حول الطريقة الأفضل للتعامل مع الموجات المتلاحقة من الهجرة غير الشرعية، في ظل الخلاف بين السياسيين المتشددين والمحافظين ضد المهاجرين، ومن يرحب باللاجئين مثل منظمات حقوق الإنسان الأوروبية والأحزاب اليسارية والتقدمية.
يفاقم الخلافات الأوروبية حول أزمة الهجرة أنها لا تتعلق فقط بالالتزام ببنود اتفاقية «شنغن»، لكن الخلاف يصل إلى الالتزامات التي رتبتها «اتفاقية دبلن» على كل دولة من «دول البوابات»، التي يصل إليها المهاجرون أولاً مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا، حيث تنص «اتفاقية دبلن» التي بدأ العمل بها في الأول من سبتمبر/أيلول 1997، على أن الدولة الأولى التي يقدم فيها المهاجر «بصمات يده» هي التي يجب أن يبقى فيها وتتحمل مسؤوليته، وكثيراً ما أعادت دول من غير دول البوابات مهاجرين إلى إيطاليا وإسبانيا واليونان.
ويفرض هذا الأمر أعباءً كبيرة على دول البوابات أكثر بكثير من دول المقصد، وهي الدول التي يرغب غالبية المهاجرين الذهاب إليها مثل ألمانيا وهولندا.
اتفاقية “شنغن” تم التوصل إليها عام 1985، وبدأ العمل بها في 1995 في 7 دول، هي: بلجيكا وفرنسا وألمانيا ولوكسمبورج وهولندا والبرتغال وإسبانيا.
الاتفاقية تضم الآن 26 دولة، منهم 22 عضواً في الاتحاد الأوروبي و4 من خارج الاتحاد الأوروبي، هي أيسلندا والنرويج منذ عام 2001، وسويسرا منذ عام 2008، وليختنشتاين منذ عام 2011، وانضمت بعد ذلك إيطاليا والنمسا عام 1997، واليونان عام 2000، وبلدان الشمال الأوروبي عام 2001، وانضمت 9 دول أخرى من الاتحاد الأوروبي عام 2007، بعد توسع الاتحاد الأوروبي شرقاً عام 2004 وهذه الدول هي جمهورية التشيك وإستونيا والمجر وليتوانيا ولاتفيا ومالطا وبولندا وسلوفاكيا وسلوفينيا، وهناك 5 دول فقط من الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي خارج منطقة شنغن هي بلغاريا وكرواتيا وقبرص وأيرلندا ورومانيا.
رؤية باريس لأزمة المهاجرين
باريس من جهتها اقترحت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي رؤيتها للتعامل مع مشاكل الهجرة غير الشرعية وحددت لها ثلاثة محاور عبر التحرك السياسي من خلال التضامن السياسي الكامل بين دول الاتحاد الأوروبي وأي دولة تتعرض لضغوط بسبب الهجرة، مثل بولندا، ثم التدخل العسكري من خلال إرسال عناصر عسكرية لحماية الحدود الخارجية للاتحاد، بينما يشمل المحور الثالث تعزيز ميثاق الهجرة الأوروبي الذي ينص على توزيع عادل للمهاجرين في أوروبا.
ويواجه الأوروبيون أزمة في التنسيق بين الدول الأعضاء بسبب الخلافات المتفاقمة بينها حول كيفية التعامل مع ظاهرة الهجرة غير النظامية سواء عبر إصلاح نظام شنغن أو إعادة تعريف اتفاقية دبلن، ويمتد الخلاف لنقطة جوهرية حول الحاجة أو عدم الحاجة للمهاجرين.
دراسة حديثة لمركز التنمية العالمية، كشفت عن أن أوروبا تعاني نقصاً في عدد العاملين عام 2050 بواقع 95 مليوناً، مقارنة بحجم العمل في عام 2015.
وباتت قضية الهجرة محل خلاف بين الكثير من الدول الأوروبية لكن هذه الدول تناست معالجة الأزمة من جذورها، عبر وضع حلول لمسببات الهجرة، مثل غياب الأمن، وانتشار الفقر، والصراعات السياسية، والحروب الأهلية، وتداعيات التغير المناخي، فضلا عن انتشار وباء كورونا، ما يجعل هذه الدول تحتاج لوضع خطة شاملة تحمل رؤية أوضح لأزمة الهجرة مع حلها بشكل نهائي.
