أخبار القارة الأوروبية – فريق التحرير
تصوير: خالد خليفة رزق
احتفلت الملحقية الثقافية بالسفارة السعودية في برلين بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، وذلك تحت شعار “اللغة العربية والتواصل الحضاري”، إذ تم مناقشة مشاكل اللغة العربية ولا سيما بين الجاليات العربية في ألمانيا، بحضور سفير خادم الحرمين الشريفين “عصام بن ابراهيم بيت المال”، ونخبة من المهتمين باللغة من العرب والألمان.
وتحدث الضيوف حول اللغة العربية ومدى أهميتها وكيفية رعاية المتحدثين والمهتمين بها في ألمانيا، فضلا عن تقديم أغاني من التراث العربي، وأشعارا تبرز جمال اللغة العربية وثرائها.

الملحق الثقافي السعودي في ألمانيا “مالك محمد الوادعي” قال: إن “الندوة تأتي احتفالا بالدور الهام للغة العربية في مد جسور التواصل بين الأمم في المجالات المختلفة”، مؤكداً أن “اللغة العربية هي سيلة لمد الجسور كأداة للتواصل الحضاري واللغوي عبر الثقافة والعلم والأدب”.
ولفت “الوادعي” إلى أن “الملحقية الثقافية السعودية في برلين تعمل على التعاون مع المؤسسات الجامعية الألمانية المهتمة باللغة العربية لتبادل التجارب معها، وتهدف حكومة المملكة العربية في رؤية 2030 إلى ضرورة الاهتمام باللغة العربية كجزء من مكونات الهوية الوطنية السعودية عبر دعم حضورها في مختلف المجالات، لتؤسس الرياض الكليات ومراكز البحث في داخل المملكة وخارجها لدعم اللغة العربية”.

مجمع الملك سلمان العالمي..
إلى جانب ذلك أوضح الملحق الثقافي في تصريح لــ”أخبار القارة الأوروبية”: أن “هدف الملحقية الثقافية السعودية في ألمانيا الاهتمام بالسعوديين ورعايتهم في بلدان الابتعاث والمشاركة في معارض الكتب وتقديم الكتاب العربي للمهتمين بالهوية العربية”، مشيراً إلى أن “الملحقية تقدم المعلومات لمن يحتاج أي معلومة أو أي شيء خاص باللغة أو الثقافة سواء للعرب في ألمانيا أو الألمان المهتمين باللغة العربية”.
وشدد “الوادعي” على أن “المملكة تعمل على إنشاء (مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية) والذي سيكون له جهود مستقبلية في دعم ومساندة المهتمين باللغة العربية سواء على مستوى التعلم أو الإنتاج الكتابي”.
بدوره، تحدث البروفيسور “سباستيان مايزن” مدير معهد الدراسات الشرقية في جامعة “لايبزك” عن تقديم المعهد برنامجا خاص لتدريس هذه اللغة للطلاب في المستويات المختلفة، عبر تدريب المترجمين والمترجمات على هذا العمل باعتبار اللغة العربية واحدة من أهم لغات العالم ولها قدرة على دعم التواصل بين الحضارات وبين المجتمعات والأساتذة والباحثين والطلاب، مشيرا إلى أن الجامعة تدرس اللغة العربية للطلاب منذ أكثر من مئة سنة، داعيا لتعزيز التعاون بين الناطقين باللغة العربية وغير الناطقين بها.

مشكلة الهوية والاندماج..
في المقابل، قال الدكتور “نزار محمود” رئيس المعهد الثقافي العربي في برلين: إن “المهاجرين العرب في ألمانيا يواجهون إشكالية تخص الاندماج من ناحية وإشكالية الحفاظ على الهوية الثقافية في المهجر من ناحية أخرى”، لافتا إلى أن “اللغة العربية يتحدث بها أكثر من 460 مليون نسمة وتحتل المركز الرابع أو الخامس بين اللغات الأكثر تحدثا في العالم ويمكن اعتبارها الناطق الرسمي باسم الثقافة العربية، التي يعبر بها الإنسان عن وجوه التميز الثقافي لدى أمته وشعبه ويتعرف أيضا على الثقافات الأخرى الموجودة في هذا العالم، والثقافة تتكامل مع اللغة وهما من الأمور المتلازمة التي لا يمكن الفصل بينها مهما حصل”.
وأضاف د “محمود” أن “الجاليات العربية منذ عقود تعيش في ألمانيا منذ عقود لأسباب ودوافع اقتصادية وسياسية، وثقافية وعسكرية، وهي بدأت تعيش في أجيال متعددة، وفي السنوات القليلة الماضية ازداد عدد أفراد تلك الجالية كثيرا بسبب موجات اللجوء التي بدأت عام 2015 ممثلة في العراقيين والسوريين إلى جانب الفلسطينيين”.
وبين أن بعض الإحصائيات تشير إلى أن عدد الجالية العربية في ألمانيا من الحاصلين على الجنسية الألمانية تجاوز مليون أما عدد من يحمل الإقامة فيقرب من مليونين ما يعني أن الجالية الناطقة باللغة العربية يزيد عددها عن 3 ملايين نسمة في عموم الأراضي الألمانية، أما عدد الأطفال من أصول عربية أي أن لغتهم الأم هي العربية في المدارس العربية فيقدر بـ 300 ألف طفل على الأقل.
وتطرق الدكتور “نزار” إلى إشكاليات الاندماج من قبل المجتمعات المستقبِلة للمهاجرين من ناحية وبين محاولات ورغبات المهاجرين في الحفاظ على ثقافتهم وهويتهم من ناحية أخرى، مضيفا أن تعليم تعلم اللغة العربية يلعب دورا محوريا في هذا السياق، لك هذه الدور يواجه بعض العقبات.
وتابع مدير المعهد الثقافي العربي بالقول: “على الرغم من رغبة الآباء في الجاليات العربية في أن يتعلم أبنائهم وبناتهم لغتهم العربية التي تشكل عماد ثقافتهم، إلا أنه هذه الرغبة لا ترتقي إلى المستوى الذي يجعلها ظاهرة حضارية تشكل إثراء ثقافيا متفاعلا مع ثقافة مجتمع الهجرة والاغتراب، رغم الدعوات إلى أهمية ذلك وإجراءات الدعم المحدودة والخجولة”.

معوقات تعلم اللغة العربية..
أما أهم المعوقات لتعلم اللغة العربية فحصرها الدكتور “نزار محمود” في عدم الاهتمام بأهمية وجدوى تعلم اللغة العربية واحترام ثقافتها سواء من قبل المتعلمين أو الجهات الرسمية المسؤولة عن التعليم في ألمانيا، فضلا عن عدم تأهيل أطراف عملية التعلم بشكل كاف سواء من مؤسسات وإدارات ومعلمين ومناهج وطرق تعليم وأساليب ومواءمتها وجدواها الواقعية في حالة تبنيها ودعمها، إضافة إلى غياب الدعم التام لمؤسسات الثقافة والتعليم في البلدان والجامعات العربية لتعليم اللغة العربية، وأخيرا ضعف دوافع ومحفزات التعلم لدى الأطفال في إطار انخراطهم في نظام التعليم الألماني بالتزامن مع ضعف الدور التربوي.
ولفت الدكتور “نزار” إلى وجود مبادرات ومؤسسات تهتم باللغة العربية بين الجاليات العربية في ألمانيا ما دفع عددا من الجمعيات والمؤسسات لتبني تعليم هذه اللغة وثقافتها والربط بينها وبين التربية الدينية الإسلامية التي لا تقوم إلا باللغة العربية، مردفا بالتأكيد على وجود عشرات الآلاف من الأطفال الذين يتعلمون هذه اللغة سواء في ساعات نهاية الأسبوع أو خلال أيام الدوام الرسمي بمدارسهم، كما أن هناك عددا من الولايات في غرب ألمانيا تقوم بتجارب تعليم اللغة العربية في بعض مدارسها في إطار ما يسمى بمشروع دروس لغة الأصل، كما تقوم دوائر المساعدات الاجتماعية بتحمل جزء من رسوم تعلم اللغة العربية.
واختتم رئيس المعهد الثقافي العربي في برلين بالدعوة إلى عدم إهمال الثقافة العربية وروحها اللغوية، وجعلها تشكل حالة للتفاهم الإنساني بالمجتمع الألماني، وترجمة هذه الأهمية إلى حالة اهتمام تربوي من قبل أمهات وآباء الأطفال، مع توفير رعاية رسمية سواء من قبل الجهات الألمانية أو العربية.
وشدد على ضرورة التعايش وفهم الاندماج والعمل على أن يكون حالة تهدف لإثراء الإنسان من جهة وفرصة للحوار والتلاقح مع الآخر في إطار واقع يتأثر بالتطورات والمتغيرات مع الحفاظ على الخصوصيات الثقافية الإنسانية من جهة أخرى.
الحصول على دعم رسمي من أهم الركائز التي يحتاجها المهتمون بمسألة تعلم اللغة العربية في ألمانيا فيقول د “حذيفة المشهداني” نائب مدرسة ابن خلدون العربية لـــ”أخبار القارة الأوروبية”: إن “هناك حاجة إلى دعم بشكل مستمر من جانب الدول العربية خاصة المملكة العربية السعودية، التي تعد على رأس العالم الإسلامي العربي، في دعم المؤسسات التي تهتم بتعليم اللغة العربية في أوروبا وفي البلاد الأخرى التي يتواجد فيها أعداد كبيرة من المغتربين العرب”.
وأكد “المشهداني”، أن ”المدرسة تعتمد برامج تعليمية مدروسة ومعتمدة لدى الجهات الألمانية”، مشيراً إلى أنه “بعد انتهاء الدراسة تمنح شهادة معتمدة ومعترف بها لدى الدوائر الحكومية الألمانية والجهات الأخرى وتغني الطلاب عن دراسة اللغة الثالثة في المدارس الألمانية”.
يذكر أن مدرسة “ابن خلدون” تستقبل صفوف رياض الأطفال من عمر 4 -6 سنوات، أما في الصف الأول من عمر 6-9 سنوات، كما تدرس اللغة العربية حتى الصف الثامن الإعدادي، وتأسست العام ١٩٧٢ في برلين لأبناء الجالية العربية وتحديداً في برلين الغربية (قبل الوحدة الألمانية)، ولكن الانطلاق بشكل رسمي كان في العام 1974 وهي المدرسة الوحيدة في ألمانيا التي تحمل مسمى ( مدرسة عربية – ألمانية) ذات نفع عام.

لغة عالمية..
وتضمنت الاحتفالية مقطوعات موسيقية متنوعة وأغان خفيفة قدمها مجموعة من الموسيقيين على آلات الموسيقى العربية وهي العود والقانون والرق والطبلة.
كما تحدث البروفيسور “ريان عبدالله” أستاذ التصميم والكرافيك في جامعة لايبزك” عن جماليات فن الخط العربي، وخصوصيات الخط العربي وأنواعه واشتراطات هواته وممتهنيه، و تطرق إلى حرفة صناعة الكتب وجماليات الزخرفة الخطية لصفحاتها معالجة بذلك اشكالية اختلاف وجهات النظر في مسألة تحريم الصورة في الإسلام.

وعلى هامش الفعالية قالت الدكتورة “أفنان راجح” لـ”أخبار القارة الأوروبية” التي تعمل كطبيبة في مستشفى “الشارتيه”: إن “اللغة العربية أغنى بكثير من أي لغة، واعتزاز بقدرتي على التحدث بالعربية والألمانية باعتبار اللغتين من أصعب اللغات في العالم”، مضيفة “أعيش في ألمانيا منذ 7 سنوات وفي أحد الأيام زار مستشفى التي أعمل في قسم جراحة الأنف والأذن والحنجرة فيها وصل مريض من العراق ثم آخر من ألمانيا وأعقبه مريض من ليبيا ثم مريض من سوريا أو لبنان، واستغرب الزملاء الألمان قدرتي على فهم لهجات كل هؤلاء العرب رغم اختلاف جنسياتهم، وانبهارهم بثراء اللغة العربية”.
المبتعثة السعودية “راجح” لفتت إلى أن “قراءة الإنسان للغة العربية وإتقانها تجعله يقرأ في مختلف الكتب ومختلف المجالات ومختلف الدول بشكل يتسع أكثر من اللغة الإنجليزية أو الألمانية، لا سيما مع قدرتها على فهم لهجات أكثر من 20 دولة عربية بسبب ثراء اللغة وثقافتها”.
يشار إلى أنه تقرر الاحتفال في اليوم العالمي للغة العربية في 18 كانون الأول /ديسمبر من كل عام، لأنه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 في كانون الأول/ ديسمبر عام 1973، والذي يقر بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة. بعد اقتراح قدمته المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية خلال انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو.









